مرض الشريان التاجي يُعد اليوم من أهم المشكلات الصحية في العالم. فكل عام تُفقد حياة ملايين الأشخاص من مختلف الأعمار بشكل مفاجئ بسبب النوبة القلبية. وللأسف، لم تنجح التطورات التكنولوجية في تقليل هذه الوفيات، بل إن عدد المرضى المصابين بمرض الشريان التاجي يزداد سنويًا على مستوى العالم. إضافةً إلى ذلك، لم يعد المرض مقتصرًا على الفئات المتقدمة في السن، بل أخذ يظهر بشكل متزايد لدى الفئات المتوسطة والأصغر عمرًا. وتُعتبر العوامل الوراثية، والتدخين، والسمنة الناتجة عن التغذية غير السليمة وما يتبعها من أمراض مزمنة مثل السكري من النوع الثاني، وقلة النشاط البدني، وارتفاع ضغط الدم غير المسيطر عليه، من أبرز عوامل الخطر المؤدية إلى الإصابة بمرض الشريان التاجي
عندما تضيق الشرايين التاجية أو تُغلق تمامًا، فإنها تعجز عن إيصال الدم الكافي إلى نسيج عضلة القلب وتغذيته، مما قد يسبب في البداية ألمًا في الصدر أو ضيقًا في التنفس عند بذل الجهد. وإذا لم يُعالج الأمر في الوقت المناسب، تكون النتيجة الحتمية حدوث نوبة قلبية. وفي حال كان المريض محظوظًا بعد النوبة، فقد يستمر في حياته مع فقدان جزء من قدرة القلب على الانقباض. لكن إذا كانت الكتلة العضلية المفقودة تمثل جزءًا كبيرًا من قوة الانقباض، يتطور فشل القلب ويصبح العلاج أكثر صعوبة. وإذا ترافق مرض الشريان التاجي مع قصور الصمام التاجي، فإن العلاج يصبح بالغ التعقيد وربما مستحيلاً. ولهذا فإن علاج مرض الشريان التاجي "في الوقت المناسب وبالطريقة الصحيحة" يُعد أمرًا مصيريًا وحيويًا
إلى جانب العلاج الدوائي، لدينا طريقتان إضافيتان للعلاج. الطريقة الأولى هي وضع دعامات معدنية في الجزء المتضيق من الشريان التاجي. أما الطريقة الثانية فهي تجاوز الجزء المتضيق بعملية مجازة، بحيث يُنشأ جسر بين الجزء السليم من الشريان والمنطقة بعد التضيّق. ولكلتا الطريقتين مزايا وعيوب بالنسبة للمريض. يُعد تركيب الدعامة في الجزء المتضيق من الشريان إجراءً سهلاً ولا يتطلب جراحة، وغالبًا ما يغادر المريض المستشفى في اليوم التالي ويعود إلى حياته الطبيعية خلال أيام قليلة. لكن العيب الأكبر لهذه الطريقة هو إمكانية حدوث تضيّق جديد داخل الدعامة أو في أطرافها. وتيرة تطور مرض الشريان التاجي تختلف من شخص لآخر، وهذا يُعتبر العامل الأهم في تحديد ما إذا كانت الدعامة ستتضيّق مرة أخرى (إعادة التضيّق داخل الدعامة) أو متى قد يحدث ذلك. وإذا لم يُغيّر المريض أسلوب حياته بعد تركيب الدعامة، فإن هذا المسار يتسارع بشكل كبير
عند مرضى السكري، يتسارع هذا المسار للأسف بشكل أوضح. كما أن عدد الدعامات التي توضع وطولها من العوامل الأساسية التي تحدد احتمال التضيّق المبكر من عدمه. فالدعامات الطويلة أو الكثيرة العدد تُظهر معدلات أعلى من إعادة التضيّق بعد فترة. كثير من المرضى يعتقدون: "نضع الدعامة أولاً، وإذا حدث تضيق لاحقًا نقوم بالجراحة". لكن الحقيقة أن وضع عدد كبير من الدعامات أو دعامات طويلة، خصوصًا عند الشباب، قد يُفقد المريض فرصة إجراء عملية المجازة لاحقًا. كما أن تضيق أو انسداد الدعامات قد يؤدي إلى نوبات قلبية متكررة تسبب الموت المبكر أو قصورًا شديدًا في القلب عند صغار السن. لذلك، يجب أخذ هذه العوامل بعين الاعتبار عند اتخاذ قرار تركيب الدعامة. فما يبدو في البداية إجراءً بسيطًا قد يضع المريض على المدى المتوسط أمام مشكلات لا حل لها
تُوفر جراحة مجازة الشريان التاجي عادةً للمريض علاجًا أكثر ديمومة وطويل الأمد مقارنةً بتركيب الدعامة. ومع ذلك، فإن حجم العملية نسبيًا والمخاوف غير الواقعية المتعلقة بفترة التعافي تجعل المرضى يترددون في الخضوع لهذه الجراحة. ففترة التعافي بعد العملية أطول نسبيًا مقارنةً بالعمليات الأخرى، حيث يحتاج المريض عادةً إلى شهرين إلى ثلاثة للعودة إلى نشاطه البدني الطبيعي وعمله، مما يدفع العديد من المرضى إلى تفضيل تركيب الدعامة. وهذا الأمر قد يمنع بعض المرضى من تلقي العلاج الأمثل الذي يُعتبر "مثاليًا" لحالتهم
في الجراحة التقليدية للمجازة التاجية، يتم الوصول إلى قلب المريض عن طريق شق عظم الصدر (القص). ثم يتم توصيل المريض بجهاز القلب والرئة عبر الشريان الأورطي والأوردة الرئيسية (الأذين الأيمن والأجوفين) ليتمكن الجهاز من ضخ الدم المؤكسج إلى أعضاء الجسم الحيوية أثناء توقف القلب والرئتين. وعلى الرغم من أن الجهاز يضمن استمرار تروية الدم للأعضاء الحيوية، إلا أن تلامس الدم مع بيئة غير طبيعية خارج الأوعية قد يسبب تفاعلات في الجسم، وقد تتأثر الكليتان والدماغ سلبًا في بعض الحالات النادرة. كما أن استخدام الدم ومشتقاته أثناء العملية وبعدها قد يؤثر سلبًا على المريض أيضًا
يستغرق التئام عظم الصدر الذي تم شقه حوالي شهرين إلى ثلاثة، وخلال هذه الفترة يضطر المريض عادةً إلى النوم على ظهره، ولا يستطيع حمل الأوزان الثقيلة أو قيادة السيارة. وبسبب هذه القيود، قد تستغرق عودة المريض إلى العمل بكامل طاقته ما بين شهرين إلى ثلاثة اشهر
لقد دفعنا التأثير الجسدي والنفسي الكبير لعمليات المجازة التاجية التقليدية على المرضى إلى البحث عن طرق توفر نفس مستوى النجاح الجراحي، لكنها تتيح للمرضى التعافي في وقت أقصر بكثير. ومن هذا البحث وُلدت جراحة المجازة التاجية طفيفة التوغل. بين المرضى، تُعرف هذه الطريقة الشائعة أيضًا بجراحة القلب المغلقة أو جراحة القلب عبر الإبط، حيث نصل إلى القلب عبر شق يبلغ حوالي 7 سم أسفل الثدي الأيسر، "دون الحاجة لقطع أي عظم"، مرورًا بين الأضلاع. ونقوم مباشرة بإزالة الشريان الصدري الداخلي تحت رؤية مباشرة
اعتمادًا على حالة المريض، يمكننا إجراء العملية دون إيقاف القلب، وبالتالي دون استخدام جهاز القلب والرئة، أو يمكن إيقاف القلب وربطه بالجهاز لإجراء المجازة. وبفضل هذه الطريقة، يمكننا تنفيذ نفس العمليات التي نقوم بها في الجراحة المفتوحة التقليدية. وتتميز هذه الطريقة بعدة مزايا مقارنة بالجراحة التقليدية، أولها أن عدم قطع عظم الصدر يجعل التعافي أسرع بكثير. وبما أن المرضى لم يعودوا مضطرين للنوم على ظهورهم، يمكنهم النوم بالشكل الذي يشعرون فيه بالراحة، مما يوفر لهم راحة كبيرة جدًا. كما تكون الآلام بعد العملية أقل، ويمكن للمرضى العودة إلى أنشطتهم اليومية بسرعة كبيرة، وحتى قيادة السيارة بعد الخروج من المستشفى. في النهاية، يتعافى المرضى بسرعة أكبر، ويقضون وقتًا أقل في المستشفى، ويعودون إلى أعمالهم في وقت أقصر بكثير
في العمليات التقليدية، يبقى المرضى عادةً 6-7 أيام في المستشفى بعد العملية، ويعودون إلى أعمالهم بعد حوالي شهرين إلى ثلاثة أشهر، حيث يشكل التئام عظم الصدر فترة كبيرة من هذا الوقت. أما بعد جراحة المجازة طفيفة التوغل، فإن مرضانا عادةً ما يكونون مستعدين لمغادرة المستشفى في اليوم الرابع أو الخامس بعد العملية، ويمكنهم العودة إلى أعمالهم بعد أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع. المرضى الذين كانوا يعودون إلى أعمالهم بعد ثلاثة أشهر في الجراحة التقليدية، يمكنهم الآن العودة للعمل بعد ثلاثة أسابيع فقط، وممارسة الرياضة، واستئناف أنشطتهم البدنية الطبيعية بالكامل
إن التعافي السريع بعد هذه العمليات ليس فقط بسبب عدم قطع عظم الصدر، بل هناك عوامل أخرى مهمة. كلمة "طفيفة التوغل" في هذه الطريقة تشمل ليس فقط شق الجلد والعظم، بل جميع مفاهيم العملية الجراحية. فالتأثير على القلب أقل، وكلما لمسنا الأنسجة أقل، كلما قل الضرر أو الصدمة الناتجة عن الجراحة. باستخدام شقوق صغيرة، نتعامل مع القلب بأقل قدر ممكن من التدخل، وبالتالي نقلل من الصدمة الجراحية. كما أن تجنب استخدام جهاز القلب والرئة قدر الإمكان، وإجراء المجازة على قلب يعمل، واستخدام كمية أقل من الدم ومشتقاته، يسرع عملية التعافي
ومن النقاط المهمة أيضًا أن هذه الطريقة لا تظهر أية عدوى لعظم الصدر، والتي تعد من أكثر الأمور المخيفة للمرضى في الجراحة التقليدية. ومن ناحية تجميلية، النتائج ممتازة، خاصة عند النساء، حيث يتم الشق تحت الثدي ولا يترك أي أثر مرئي بعد العملية
أدى استخدام المناظير ثلاثية الأبعاد (3D) في جميع جراحات صمامات القلب إلى بداية عصر جديد في جراحات المجازة التاجية طفيفة التوغل. في الغالب، يتم في هذه العمليات استخراج الشريان الصدري الأيسر للمريض تحت رؤية مباشرة. ونظرًا لأن العديد من المرضى الذين يخضعون لعملية المجازة يحتاجون إلى تجاوز عدة شرايين، فإنه بالإضافة إلى الشريان الصدري الأيسر، يتم أيضًا استخراج الوريد الصافن من ساق واحدة أو اثنتين باستخدام طريقة مغلقة (منظارية). وبذلك، يمكن إجراء مجازة لعدة شرايين باستخدام كمية كافية من الطعوم
من المبادئ العامة في جراحة القلب أن استخدام عدد أكبر من الشرايين أثناء إجراء المجازة يحقق نتائج أفضل على المدى الطويل، ويفضل إن أمكن عدم استخدام الأوردة على الإطلاق. ومع إدخال المناظير ثلاثية الأبعاد، أصبح من الممكن استخراج الشرايين الصدرية ليس فقط تحت الرؤية المباشرة، بل بشكل كامل باستخدام المنظار، مما يسمح باستخدام الشريان الصدري الأيمن بالإضافة إلى الأيسر في جراحة المجازة التاجية طفيفة التوغل
في بعض المرضى، يمكن أيضًا إضافة الشريان الكعبري من الذراع (الشريان الكعبري) إلى هذه العملية، مما يجعل من الممكن إجراء جراحة مجازة تاجية طفيفة التوغل باستخدام الشرايين فقط. وتُعد هذه الطريقة ميزة كبيرة للمرضى الشباب الراغبين في الخضوع للجراحة بطريقة طفيفة التوغل. وبالإضافة إلى جميع المزايا التي توفرها جراحة المجازة طفيفة التوغل، فإن استخدام الشرايين فقط في هذه الطريقة يمنح المريض فائدة كبيرة ليس فقط على المدى القصير، بل طوال حياته
من الناحية النظرية، يمكننا إجراء جميع عمليات مجازة الشريان التاجي باستخدام الطريقة طفيفة التوغل. ومع ذلك، في مجموعة معينة من المرضى، نتمكن من الجمع بين أهم مزايا الجراحة والدعامة لإجراء عملية مجازة تاجية. وتُعرف هذه العمليات باسم العمليات الهجينة
في هذه الطريقة، نقوم بإجراء المجازة بالكامل باستخدام الشرايين على الجانب الأيسر من قلب المريض. أما الشريان الأيمن، فإذا كان مناسبًا للدعامة، يتم تركيب الدعامة بعد العملية لضمان فتح جميع الشرايين المصابة. وتعتبر هذه الطريقة واحدة من الأساليب الحديثة التي بدأت تُطبق بشكل متزايد في بعض مراكز القلب المتقدمة حاليًا.
شعارنا في جراحة القلب هو: التقنية والخبرة دائمًا يدًا بيد
إذا كنت بحاجة إلى إجراء عملية مجازة الشريان التاجي، فإن فريقنا متاح على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع لتقديم راحة وأمان جراحة المجازة التاجية طفيفة التوغل بالمنظار لمرضانا
عندما تضيق الشرايين التاجية أو تُسد بشكل كامل، فإنها لا تستطيع إيصال كمية كافية من الدم لتغذية عضلة القلب. يؤدي ذلك في المراحل الأولى إلى ظهور أعراض مثل ألم في الصدر عند بذل الجهد أو ضيق في التنفس